الجامعات السعودية والرؤية «اليوسفية» - 03 ديسمبر 2011
2021-11-10 556
«تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون، ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون»، هذه القاعدة «اليوسفية» الاقتصادية القائمة على توظيف زمن الرخاء لضمان الاستمرار في زمن الشدة هي قاعدة أصيلة تنظم مناشط الحياة كلها.
بين أيدينا ثلاث حقائق في إطار التعليم العالي في المملكة العربية السعودية تجعل من استحضار هذه «الرؤية» ضرورة وجود وبقاء:
أولها: تزايد كلفة التعليم العالي.
وثانيها: تزايد أعداد الملتحقين بالجامعات مما يعني بالضرورة زيادة أعدادها.
وثالثها: تزاحم المشاريع التنموية في بلادنا الغالية.
هذه الحقائق تجعل «الدلال» التمويلي الذي تحظى به جامعاتنا عرضة للخطر! فالدولة أيدها الله ما بخلت ولن تبخل ولكن لكل قدرة حدودا، ومسؤولية الدولة عن كل قطاعات التنمية واحدة ولا بد لها من الموازنة.
إضافة إلى أن الدورات الاقتصادية لا تخلو من مراحل ركود قد تضطر الدول إلى وضع خطط تقشفية تجيء على حساب كثير من أحلام المستقبل.
والأهم أن السباق المعرفي قد تتجاوز تكاليفه كل ما ترصده الدولة رغم وفرته وسخائه!، ففي هذا العام حظيت الجامعات وبرامج التعليم العالي والتدريب بميزانية تقدر بـ 150 مليار ريال، على حين تبلغ ميزانية جامعة هارفارد وحدها 35 مليار دولار!!!. والأكثر أهمية أن للأجيال القادمة علينا حقا، ولا يجوز أن ننسى في لحظات الرخاء الآنية أن ثمة أجيالا قادمة قد تجيء في ظروف أصعب من ظروفنا، وفي واقع أقسى من واقعنا، ومن واجبنا أن تكون خطواتنا اليوم حريصة على توفير مستقبل لائق بهم.
من الواضح إذن أن على الجامعات أن تتحرك سريعا في إطار التمويلات البديلة، مستغلة هذه الفترة الرخية المباركة لضمان مستقبل مزدهر بإذن الله، ولها في قائدنا خادم الحرمين الشريفين أسوة، فإنه حين استشعر ــ حفظه الله ــ خطورة نضوب الثروة البترولية بادر إلى إنشاء «مدينة الملك عبدالله للطاقة النووية والطاقة المتجددة»، عليها أن تبدأ البحث عن تمويلات «غير حكومية» ترقي حاضرها وتؤمن مستقبلها.
ومما يجعل هذا التحرك متاحا الآن علو كعب «اقتصاد المعرفة»، فالأمم المتحدة تقدر أن اقتصاد المعرفة يستأثر الآن بـ 7 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وينمو بنسبة 10 % سنويا ونحن نعرف أن الجامعات هي المحضن الطبيعي لهذا النوع من الاقتصاد، فكم هي الخسارة التي ستخسرها الجامعة التي لا تبادر في هذا الاتجاه! ولكن..
هل تستطيع الجامعات وحدها أن تنجح في هذا الميدان البديل؟
هل يمكنها أن تحقق طموحاتها التمويلية الذاتية إذا لم يقف معها الآخرون؟.
في رؤيتي الشخصية أن الجامعات هي بمثابة «مصانع» للمعرفة وإنسانها واقتصادها، والمصنع إذا فقد إمدادات الطاقة والمواد الخام تعطل، وهذه «الإمدادات» إنما تجيء من مجتمعها الذي هو أول المستفيدين منها.
لذلك أجده واجبا على كل قادر أن يكون له إسهام بماله أو فكره أو جهده.
كما أجده واجبا على الجامعات أن تبدع في التخطيط وتجيد في التنفيذ وتقود حركة التحول باقتدار، لنتمكن جميعا من ترجمة رؤية القيادة السديدة إلى واقع ملموس.
ومن موقعي مديرا لجامعة أم القرى أعلن تحرك الجامعة الحثيث ــ مجاراة لأخواتها ــ نحو تفعيل اقتصاد الجامعة الذاتي بدءا بمشاريعها الاستثمارية الأولى التي تبلغ موازنتها 2.5 مليار ريال، والتي تفرح بكل يد وطنية مخلصة تمتد إليها بالمساندة، ومرورا بشركة وادي مكة للتقنية لجامعة أم القرى التي يدرس المجلس الاقتصادي الأعلى حاليا الموافقة على إنشائها برأس مال 100 مليون ريال، والتي ستسهم بإذن الله في نقل التقنية وتوطينها وتنمية الاقتصاد المعرفي.
وبإذن الله تصبح جامعة أم القرى عبر هذه المشاريع معلما دوليا من معالم مكة، فتحقق بذلك جزءا من الانطلاقة «المكية» نحو العالم الأول، هذه الانطلاقة التي يرعاها خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ والتي يسعى لتنفيذها بإخلاص سمو أمير المنطقة، الذي ستسعد الجامعة قريبا بتدشينه بإذن الله المرحلة الاستثمارية الأولى، وإن غدا لناظره قريب.